" شاهد الآن الوثائقي "حرب خفية

في زمن الحروب الرقمية، تُخاض المعركة على العقول أكثر من الساحات
"
حرب خفية" يكشف الستار عن أساليب التضليل والهجوم الإعلامي الذي استهدف لبنان
.ويعرض كيف تُستخدم وسائل التواصل كسلاح في المعركة على الوعي


تعرف على استراتيجيات الحرب النفسية، وتعلّم كيف تحمي نفسك ومجتمعك من التضليل

الوثائقي

بعد مشاهدة "الحرب الخفية"، ربما تساءلت: كيف أمكن لرسائل بسيطة أو تغريدات قصيرة أن تُحدث هذا التأثير العميق؟
الإجابة تكمن في ما يُعرف بـ نوافذ التأثير النفسي، وهي اللحظات التي يصبح فيها الإنسان أكثر قابلية للتأثر، نتيجة مشاعر مثل الخوف، العجز، أو القلق.​ خلال العدوان، استغل العدو الإسرائيلي هذه النوافذ باحترافية، ليتسلل إلى وعي اللبنانيين ويزرع أفكارًا مشوشة ومُحبطة، تُضعف الثقة وتشوّه الصورة، كل ذلك دون إطلاق رصاصة واحدة.
في تلك اللحظات، تعمل آليات عصبية وسلوكية داخل أدمغتنا تجعلنا نميل لتقبّل الرسائل التي تبدو مطمئنة أو توفّر مخرجًا نفسيًا، حتى لو كانت مضللة

الإجهاد النفسي ليس مجرّد شعور عابر بالتعب أو القلق، بل بيئة خصبة تزرع فيها الحرب النفسية بذورها. حين يتعرض الإنسان لضغط مستمر، تتراجع قدرته على التمييز، يضعف تركيزه، وتزداد استجابته العاطفية على حساب التفكير المنطقي 

بعد أن فهمنا كيف يُضعف الإجهاد النفسي دفاعات العقل، ننتقل إلى أداة أخرى لا تقل خطورة في الحرب النفسية
  التكرار المتعمّد للرسائل. في حالات التوتر والإرهاق، لا يُعالج العقل كل معلومة بمنطق وتحليل. بل يبدأ بتخزين الرسائل المتكررة في العقل الباطني، حتى دون وعي أو قناعة كاملة. ومع الوقت، تصبح هذه الرسائل جزءًا من الصورة الذهنية والواقع النفسي للفرد، ويزداد تأثيرها كلما تكررت أكثر

بعد أن تعرّفنا على تأثير الإجهاد النفسي والتكرار، نصل إلى أحد أقوى أدوات الحرب  النفسية 
التلاعب العاطفي
. إن المشاعر هي بوابة التفاعل السريع. فمن خلال استخدام القصص المؤثرة أو الصور التي تحرك مشاعرنا مثل الحزن أو الغضب، يصبح الأفراد أكثر عرضة للتفاعل بشكل عاطفي، بعيدًا عن التفكير العقلاني والمنطقي. هذا التلاعب يُعيد تشكي​ل آراء الفرد ومعتقداته، ويجعل من السهل استغلاله لتحقيق أهداف معينة

عندما يتعرض الأفراد لحروب إعلامية مكثفة، فإن ذلك يترك آثارًا نفسية جسيمة قد ترافقه لما بعد الحرب أو في كل حياته  

تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام، حيث تستثمر العواطف الإنسانية مثل الخوف، الغضب، واليأس كأدوات فعّالة لإثارة تفاعل الجمهور وتوجيه مواقفه تجاه قضايا معينة. من هذا المنطلق، يعتمد الإعلام الإسرائيلي على مجموعة من التكتيكات الإعلامية لتعزيز مشاعر الخوف واليأس لدى الشعب اللبناني، مستخدمًا استراتيجيات تتراوح بين نشر الأخبار المقلقة، والمبالغة في تصوير التهديدات الأمنية، وبث رسائل تهدف إلى زعزعة الثقة بالقدرات الوطنية. هذه التكتيكات لا تؤثر فقط على الأفراد بشكل مباشر، بل تؤثر أيضًا على التماسك الاجتماعي والمواقف 
السياسية في المجتمع

 على الرغم من أن تكتيكات الإعلام الإسرائيلي لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تتبعها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الفرق يكمن في الخبرة والإمكانات المتاحة لهم. الإعلام الإسرائيلي يركز بشكل متعمد على شريحة اجتماعية محددة ويستفيد من دراسات علم النفس والاجتماع في هذا الإطار، مما يجعله أكثر فعالية في زرع مشاعر الخوف واليأس

يتعامل مع هذه القضية وكأنها جزء من حرب نفسية تهويلية، يتحول خلالها الإعلام إلى بوق مباشر للأجهزة الأمنية والعسكرية، متعاونًا مع المستويين السياسي والأمني في توجيه الرسائل التي يريدون بثها. هذه الاستراتيجيات تتلاعب بالعواطف الإنسانية العميقة، بحيث تتأثر الأفراد بتلك الأخبار والمعلومات لأنها ترتبط بهويتهم وانتمائهم 

فهي تحاكي غريزة الحماية لدى الأب تجاه أولاده، أو احتضان الأم لأبنائها، وحتى القرارات التي يتخذها القائد الساعي للتكيف مع الأوضاع الراهنة. عندما تسيطر هذه المشاعر، خصوصًا الذعر، فإنها تضعف قدرة الفرد أو المجتمع على التفكير المنطقي واتخاذ قرارات سليمة، مما يؤدي إلى حالة من التشتت الذهني، الأرق، وقلة التركيز، وهو ما يعيق المتابعة والاستمرارية في مواجهة التحديات بوعي وإدراك

وفي سياق الحروب الإعلامية المكثفة، تُثار تساؤلات حول الآثار النفسية طويلة المدى التي يمكن أن تتركها هذه التجارب على المجتمعات، ومدى قدرتها على تشكيل أنماط التفكير الجماعي وتعزيز مشاعر التوتر والانقسام

تواجه المجتمعات في عصرنا الحالي تحديات متزايدة تتعلق بتدفق المعلومات وسرعة انتشار الأخبار، ما يجعل تعزيز مناعتها النفسية والفكرية ضرورة لا غنى عنها 

تلعب مجموعة من العوامل دورًا أساسيًا في تعزيز قدرة الأفراد على مواجهة الأخبار والأفكار السلبية، وعلى رأسها المرونة النفسية التي تُعدّ حجر الأساس في تحمل الضغوط والتأقلم مع التغيرات المتسارعة.

 يُضاف إلى ذلك أهمية الخوف الإيجابي، الذي ينبع من وعي حقيقي بالمخاطر ويساعد في اتخاذ إجراءات وقائية فاعلة، خلافًا لـ القلق السلبي الناتج غالبًا عن نقص المعلومات، والذي يُضعف مناعة الأفراد ويشتّت قدرتهم على التعامل مع الأزمات.

 في هذا السياق، يُعتبر التثقيف الإعلامي المدخل الأول والأكثر فاعلية لبناء حصانة جماعية ضد التضليل، إذ يُمكّن الأفراد من تطوير تفكير نقدي يسمح لهم بتحليل المحتوى الإعلامي، والتحقق من مصادر الأخبار ومصداقيتها، ما يضعف تأثير ما يُعرف بـ "الإعلام الأصفر"، الذي يُمرّر رسائله المسمومة عبر غلاف من المعلومات الجزئية الصحيحة أو الخلفيات التاريخية المضلِّلة.

 لكن تعزيز المناعة المجتمعية لا يتوقف عند الفرد، بل يتطلب رؤية شاملة للتمكين والاقتدار الجماعي، حيث تُبنى مجتمعات قادرة على المواجهة من خلال التعاون بين المتخصصين في مختلف المجالات: الإعلام، التكنولوجيا، التربية، السياسات العامة، وحتى المستخدمين غير المتخصصين. التكامل بين الخبرات، والعمل التشاركي مع فئات المجتمع كافة، يساهم في نقل الوعي من دائرة النخب إلى عامة الناس، بحيث لا يعود الفرد العادي عبئًا في معركة الوعي، بل جزءًا فاعلًا فيها. 

إن هذا التكامل يُسهم أيضًا في تعزيز الوعي الذاتي لدى الأفراد، ما يتيح لهم فهم مشاعرهم ومواقفهم بشكل أعمق واتخاذ قرارات مدروسة. كما أن الدعم الاجتماعي يلعب دورًا جوهريًا في تمكين المجتمعات، إذ يشكّل التكافل والتضامن خلال الأزمات نموذجًا على قوة الإرادة الجماعية في مواجهة محاولات التشتيت والتفكيك التي 
قد تنجم عن الاستخدام السلبي للتكنولوجيا أو استغلالها في تقويض الروابط الاجتماعية.

 من هنا، لا يمكن الحديث عن حماية المجتمعات من الهجمات الإعلامية أو الأزمات النفسية دون إرساء بنية ثقافية معرفية، تنطلق من التثقيف الإعلامي، وتُبنى على أسس نفسية وفكرية واجتماعية متكاملة، تُحوّل كل فرد إلى خط دفاع واعٍ، وكل مجموعة إلى نسيج متماسك لا يمكن اختراقه بسهولة

في عصر يتسارع فيه تدفق المعلومات، يصبح من الضروري تعلم كيفية التمييز بين الحقيقة والزيف، وكيفية الحفاظ  على تفكير نقدي وتوازُن نفسي في مواجهة الرسائل المغرضة. هنا يتبادر إلى ذهننا السؤال

 كيف يمكننا مواجهة هذا التضليل الإعلامي بفعالية؟

بودكاست | حرب على الوعي: كيف استهدفت إسرائيل عقول اللبنانيين؟

إنتقل إلى البودكاست